أطفال غزة المرضى.. حياتهم “قيد الدراسة”
غزة 14 آب 2023 – بداية شهر تموز من عام 2021 بدأت تظهر على الطفلة فاطمة جلال المصري (عام ونصف) من قطاع غزة، علامات تعب وإعياء يضاف إليها إزرقاق الشفتين عند البكاء، فنقلها والدها إلى مستشفى مبارك للأطفال داخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، ليتبين بعد الفحوصات أنها تعاني من تضخم في القلب.
وقال جلال المصري، والد الطفلة، للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، إن الأطباء قرروا تحويل فاطمة للعلاج في الخارج بسبب عدم توفر العلاج لها في القطاع.
وأضاف: “حصلنا على نموذج رقم 1 ثم بدأنا بإجراءات الحصول على تحويلة طبية من دائرة العلاج بالخارج التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، وبتاريخ 29/11/2021 حصلنا على تحويلة طبية لفاطمة وتغطية مالية لمستشفى المقاصد بالقدس، وكان الموعد المحدد من المستشفى بتاريخ 28/12/2021 حينها توجهت للهيئة العامة للشؤون المدنية، وذلك للحصول على تصريح للوصول إلى المستشفى”.
وتابع: “قمت بوضع جدة ابنتي (والدة زوجتي) وتبلغ من العمر 45 عاما كمرافقة لطفلتي فاطمة حتى يسمح الجانب الإسرائيلي لهما بالسفر دون عراقيل، وقبل الموعد المحدد بيوم واحد وبتاريخ 27/12/2021 جاء رد الاحتلال الإسرائيلي أن الطلب قيد الدراسة، ولم يتم منح ابنتي وجدتها تصريح سفر”.
قام والد الطفلة فاطمة بتحديد موعد جديد لمستشفى المقاصد، وكان بتاريخ 13/2/2022، وتقدم بطلب الحصول على تصريح للهيئة العامة للشؤون المدنية التي بدورها رفعته للاحتلال الإسرائيلي، ولكن قبل الموعد الجديد بيومين (11/2/2022) جاء رد الاحتلال أن الطلب أيضا “قيد الدراسة”، ولم يتم السماح بسفر فاطمة للعلاج، بحسب ما أفاد والدها.
وبتاريخ 25/3/2022 الموافق ليوم الجمعة، دخلت الطفلة فاطمة في غيبوبة، نقلت إثرها إلى مستشفى ناصر الطبي في خان يونس، وبعد وصولها فارقت الحياة.
“لقد شعرت بصدمة كبيرة، ابنتي التي كنت أنتظر قدومها بعد 8 سنوات من عدم القدرة على الإنجاب، فقدتها بسبب رفض إسرائيل منحها تصريح، رغم حاجتها للعلاج”، قال والد الطفلة فاطمة.
ويواجه الأطفال المرضى في قطاع غزة صعوبات في تلقي العلاج بالخارج، جرّاء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو 17 عاما، حيث تشكل القيود الإسرائيلية على الحق في الحركة والتنقل خطرا كبيرا على صحة السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في القطاع، سواء من خلال إرباك الخدمات الصحية، أو تقويض تطور النظام الصحي في القطاع، أو إعاقة وصول المرضى إلى الرعاية الصحية، وفي حالات أخرى حرمانهم من حقهم في الوصول للعلاج.
وتؤكد تقارير منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية، أن السياسات الإسرائيلية التي تقيد حرية الحركة خاصة للفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة هي أبرز العقبات التي تعيق حصول السكان على الرعاية الصحية، وهي تؤثر بشكل مباشر على الحق في الصحة.
الطفل بلال (8 سنوات) حصل في شهر كانون أول 2022 على تحويلة طبية لمستشفى المقاصد وكان موعد سفره بتاريخ 8/1/2023 ولكن عندما تقدم أهله بطلب للحصول على تصريح علاج من الاحتلال الإسرائيلي جاء الرد برفضه ورفض والدته كمرافقة له، تحت ذريعة “الرفض الأمني”.
ويعاني الطفل بلال، حسب والدته، من مشاكل صحية شخصها الأطباء ما بعد الولادة بالتهابات حادة بالرئتين، وأمضى فترة في مستشفى النصر، وبعدها أصبح يتلقى علاجا شهريا بانتظام في مستشفى محمد الدرة نتيجة معاناته من ارتفاع حرارة دائم وسعال متواصل، فهو يقضي من وقت لآخر أسبوعا أو 10 أيام في المستشفى للعلاج، وقد استمرت معاناته هذه لعدة سنوات دون أن يطرأ أي تحسن على صحته.
وقالت والدة الطفل بلال، للحركة العالمية، إنهم حصلوا على موعد جديد وكان بتاريخ 19/2/2023، ووضعوا والدتها المسنة مرافقة لبلال لكن تم رفضها هي الأخرى، فوضعوا اسم والدة زوجها وتم رفضها أيضا.
وأضافت: “قمت بمراجعة مؤسسة جيشاه “مسلك” (مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية) للمساعدة في حصول ابني على تصريح علاج وبتاريخ 14/2/2023 طلبت مني المؤسسة مقابلة مخابرات الاحتلال داخل معبر بيت حانون (ايرز)، وفعلا جرت المقابلة التي استمرت حوالي 45 دقيقة، سألني خلالها ضابط مخابرات الاحتلال عن الحالة الصحية لبلال، وعن زوجي وعدد من أفراد العائلة، ثم غادرت المكان على أمل أن يتم الموافقة على منح ابني تصريح علاج، لكن في 19/2/2023 جاء رد الاحتلال برفض الطلب ورفض أي شخص من عائلتنا كمرافق له”.
وتابعت والدة الطفل بلال: “لجأت إلى مؤسسات حقوق الإنسان للمساعدة في سفر ابني للعلاج، حيث قدمت مؤسسة حقوق الإنسان “چيشاه-مسلك” التماسا للمحكمة المركزية في بئر السبع، طالبت خلاله بالسماح بخروجي كمرافقة له، إلا أن المحكمة قبلت ادعاء الجهة الإسرائيلية بعدم السماح لي بالخروج معه”.
وأضافت: “جراء تردي الوضع الصحي لأبني نتيجة الرفض المتكرر لسفره للعلاج، وافقت وزارة الصحة على منحنا تحويلة لنقله إلى مصر وعمل الخزعة من الرئتين لمعرفة سبب المادة اللزجة الموجودة فيهما، لكن ليست لدينا قدرة مادية للسفر، خاصة أنه يجب دفع مبلغ 2000 دولار لطبيب خاص لعمل الخزعة المطلوبة، وهذا خارج التغطية المالية للتحويلة، ونحن لا نستطيع توفير هذا المبلغ، كما أننا نخاف على بلال من عناء السفر، وكل ما نتمناه ونطالب به هو الضغط على الاحتلال للموافقة على إصدار تصريح مرور لعلاج بلال في مستشفى المقاصد”.
وفي انتهاك جسيم ومخالفة واضحة لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة التي ألزمت دولة الاحتلال بتقديم خدمات الرعاية الصحية لسكان الأراضي المحتلة كما تقدمها لمواطنيها، تلجأ إسرائيل إلى عمليات ابتزاز لأهالي الأطفال المرضى في القطاع، من أجل السماح لهم بالسفر.
وفي هذا السياق، قالت والدة الطفل محمد (13 عاما) إنه في شهر كانون أول 2021 حدث تراجع كبير في صحة طفلها، حيث أصبح يعاني من عدة مشاكل متتالية مثل ارتفاع الحرارة وانتفاخ بالبطن وآلام بالمفاصل، كما تورمت الغدد الموجودة خلف الأذن، إضافة لصعوبة في التبول، ونزيف من الأنف بشكل متكرر، وعدم اتزان أثناء السير والوقوف، بالإضافة لضعف شديد في الجسم وفقدان للشهية، مشيرة إلى أن كل هذه الأعراض كانت خلال 10 أيام فقط.
تم تحويل الطفل محمد إلى مستشفى عبد العزيز الرنتيسي بمدينة غزة بتاريخ 30/12/2021، وبعد الفحوصات قرر الأطباء تحويله بشكل عاجل إلى مستشفى المطلع بالقدس.
“قمت بالحصول على موعد مع مستشفى المطلع من خلال دائرة العلاج بالخارج، ومن ثم تقدمت للهيئة العامة للشؤون المدنية من أجل الحصول على تصريح مرور من معبر بيت حانون (إيرز) من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وقد اشترطت دائرة العلاج بالخارج وضع صورة هوية المرافق ومرافق بديل حتى يتسنى إصدار التصريح، فقمت بوضع اسمي بصفتي والدته وأختي البالغة من العمر 60 عاما، وبالفعل جاءت الموافقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي على سفر ابني محمد، لكن مرافقته هي أختي”، أضافت والدة الطفل محمد.
سافر محمد إلى مستشفى المطلع ومكث هناك 20 يوما، ولكن الأطباء طلبوا من والدته القدوم للمستشفى كمرافقة بدلا من أختها، فتم تقديم طلب استبدال مرافق، لكن الاحتلال الإسرائيلي اشترط عمل مقابلة معها في معبر بيت حانون (إيرز)، وهناك مكثت والدة الطفل داخل غرفة فترة طويلة جدا (ما يزيد عن 12 ساعة) دون أن يتحدث معها أحد، ثم جاء شخص من المخابرات الإسرائيلية وسألها حول عدة أمور منها حالة طفلها الصحية وسبب سفرها إليه، ثم سألها عن بعض الأقارب والجيران وانتماءاتهم السياسية، ومن ثم طلب منها العودة للمنزل وانتظار رسالة أو اتصال منهم.
بعد مرور ثلاثة أيام على المقابلة توجهت والدة الطفل محمد مرة أخرى لمعبر بيت حانون، وهناك تم احتجازها لفترة طويلة مرة ثانية، وتم تكرار الأسئلة عليها، مع تهديدها بعدم السماح لمحمد بالسفر أو مرافقته للمستشفى في حالة أعطت أجوبة مختلفة عن المقابلة الأولى، وبعد انتظار طويل سمح لها بالدخول والوصول لمستشفى المطلع، حيث بدأ الأطباء بإعطاء طفلها العلاج الكيميائي ووحدات دم.
مكث محمد مع والدته في مستشفى المطلع 25 يوما، ليصبح مجموع ما مكثه في المستشفى 45 يوما، وكان من المقرر أن يتم تحويله لمستشفى مار يوسف بالقدس من أجل تركيب جهاز يستخدم لإعطاء جرعات العلاج الكيميائي، لكنه أصيب في تلك الفترة بفيروس كورونا، وبسبب مناعته الضعيفة قرر الأطباء بمستشفى المطلع عودته إلى قطاع غزة إلى أن يتحسن، ومن ثم العودة لمستشفى مار يوسف لتركيب الجهاز.
وقالت والدته: عدنا إلى قطاع غزة بتاريخ 14/2/2022، وقمت بعمل تحويلة طبية لمستشفى مار يوسف من أجل تركيب الجهاز وكان الموعد بتاريخ 10/5/2022، وبعد عمل كافة الإجراءات والتقدم للاحتلال الإسرائيلي للحصول على تصريح حسب الموعد، جاء الرد أن الطلب (قيد الدراسة)، فقمنا بعمل موعد جديد بتاريخ 30/5/2022 لكن جاء الرد أيضا أن الطلب (قيد الدراسة).
وأضافت: “كنت أتواصل مع مستشفيي مار يوسف والمطلع من أجل معرفة ما يتوجب عليّ فعله حتى لا تتفاقم حالة ابني محمد الصحية، فقمت بعمل تحويلة جديدة لمستشفى المطلع بتاريخ 30/6/2022 لكن جاء الرد أيضا من الاحتلال أن الطلب (قيد الدراسة)، دون إبداء أية أسباب أو مبررات حول عدم منح ابني محمد تصريح”.
وتابعت: “تنقلت مع طفلي محمد ما بين المنزل ومستشفى عبد العزيز الرنتيسي بغزة، وتقدمت بطلب لموعد جديد وحصلت عليه وكان بتاريخ 7/8/2022، إلا أن الرد جاء أن اسمي كمرافقة (قيد الدراسة).
تمكن الطفل محمد من السفر بتاريخ 25/8/2022 برفقة جدته وبقي في المستشفى لمدة خمسة أيام وعاد بعدها إلى قطاع غزة، وقد توقف حاليا عن أخذ العلاج الكيميائي جراء تحسن وضعه الصحي، وهو يعتمد على تناول حبوب خاصة لمدة 6-7 أشهر، وبعدها سيحدد الأطباء بروتوكولا جديدا لعلاجه، بحسب والدته.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة أشارت، في تقرير “المعيقات التي تحول دون إعمال الحق في الصحة، والهجمات على الرعاية الصحية بين عامي 2019 و2021″، إلى أن 35% من طلبات تصاريح المرضى لم تتم الموافقة عليها من الجانب الإسرائيلي، إلى جانب رفض أكثر من 54% من طلبات تصاريح المُرافقين للمرضى، للوصول في الوقت المناسب إلى مواعيدهم في المستشفى خلال الفترة من 2019 إلى 2021.
وبينت المنظمة، في تقريرها، أنّ الاحتلال الإسرائيلي وافق لنحو 30% على تصاريح دون الموافقة على أحد الوالدين، لمرافقتهم بشكل عام.
وسلط التقرير الضوء على أنّ تجزئة الشعب الفلسطيني، وتطبيق نظام التصاريح، ووجود الحواجز المعيقة للحركة، والثغرات في الحماية، تُظهِر أوجه عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، وتخلق حواجز كبيرة أمام توفرها، والوصول إليها، في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية.
إن جمعية الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب انتهاكات جسيمة وممنهجة بحق الأطفال المرضى في الوصول للعلاج، خاصة في قطاع غزة المحاصر، وهذا الحق من الحقوق الأساسية للأطفال والتسبب بحرمانهم منه يصنف كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.