الاستثناء هو القاعدة في تعامل شرطة الاحتلال مع الأطفال المقدسيين
رام الله 29 تموز 2015 – قالت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين إن الإفادات التي جمعتها منذ كانون الثاني 2015، أظهرت أن شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس تطبق قانون الأحداث الإسرائيلي بشكل تمييزي يؤدي لحرمان الأطفال المقدسيين من حقوقهم أثناء عمليات الاعتقال والتحقيق، وذلك عن طريق الإفراط باستخدام الاستثناءات التي تحرم الأطفال من حقوقهم، وبعبارة أخرى أصبحت الاستثناءات هي القاعدة بالنسبة للتعامل مع الأطفال الفلسطينيين في القدس الشرقية.
وأوردت الحركة العالمية مثالا على ذلك، قائلة إنه في حوالي الساعة السابعة مساء من الثامن والعشرين من شهر نيسان الماضي، لاحظ الطفلان أحمد زعتري (9 أعوام) وابن عمه محمد (12 عاما)، عشرة من أفراد الشرطة الإسرائيلية يتقدمون نحوهم جريا بينما كانا يسيران في حقل زيتون قرب منزليهما في حي وادي الجوز بالقدس الشرقية، حيث قام أحد أفراد الشرطة بدفع الطفلين على الأرض.
وقال أحمد، في إفادته للحركة العالمية، “ضربني أحدهم ببندقيته على ظهري، وكنت أشعر بألم وخوف”، كذلك تعرض محمد إلى اعتداءات جسدية وإهانات لفظية أثناء اعتقاله ولم يتم إبلاغ أي من الطفلين عن حقهما في التزام الصمت، أو استشارة محام، أو بوجوب وجود أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة معهما أثناء التحقيق.
وبعد أن أنكر أحمد الاتهام الذي وجه إليه بأنه ألقى حجارة، أُطلق سراحه في حوالي الساعة الثانية والنصف فجرا، وقد استلمه والده، وقال أحمد: “في طريقنا إلى المنزل كنت مرهقا ومرعوبا، ويتملكني الجوع والعطش”.
وفي الوقت نفسه، جرى التحقيق مع الطفل محمد عند الساعة الثالثة فجرا لمدة أربع ساعات تقريبا، ومن ثم نُقل إلى مركز تحقيق وتوقيف “المسكوبية” حيث مثل أمام المحكمة في الثالث من أيار الماضي، التي قررت إطلاق سراحه بكفالة قدرها ألفي شيقل وإبعاده عن القدس لمدة أسبوع إلى منطقة “تل أبيب” أو أي منطقة أخرى شمال فلسطين.
معاملة الطفلين أحمد ومحمد وكلاهما من القدس الشرقية، توضح سوء تطبيق قانون الأحداث الإسرائيلي الذي من المفترض أن يُطبق دون تمييز على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين، على عكس الضفة الغربية حيث يتم تطبيق الأوامر العسكرية الإسرائيلية، في حين تخضع القدس الشرقية للقانون المدني الإسرائيلي.
ومن الناحية النظرية، ينص قانون الأحداث الإسرائيلي على وجود ضمانات وحماية للأطفال في نزاع مع القانون خلال اعتقالهم ونقلهم واستجوابهم ومثولهم أمام المحاكم، وتشمل الحماية: استخدام الاعتقال كملاذ أخير، وتوجيه استدعاء مسبق للطفل قبل استجوابه، واستخدام الحد الأدنى من القيود، ووجود أحد أفراد أسرة الطفل البالغين أثناء التحقيق، وعدم التحقيق معه خلال ساعات الليل.
وقال محامي الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إياد مسك إن “الشرطة الإسرائيلية تحرم الأطفال الفلسطينيين من التمتع بحقوقهم من خلال توظيف الاستثناءات في القانون ضدهم”.
وأضاف مسك أن “الاستثناء المنهجي للأطفال الفلسطينيين من الحماية يشكل انتهاكا خطيرا لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي وقعتها إسرائيل عام 1991، ولروح القانون الإسرائيلي نفسه”.
وتستند النتائج التي خرجت بها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال على شهادات مشفوعة بالقسم من 30 طفلا مقدسيا، تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاما، ألقي القبض عليهم واستجوبوا من قبل الشرطة الإسرائيلية في الفترة ما بين كانون الثاني وحزيران عام 2015، علما أنه خلال العام الماضي اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب من 700 طفل فلسطيني في القدس الشرقية.
وبينت الحركة العالمية أن شرطة الاحتلال استدعت ثلاثة أطفال فلسطينيين للتحقيق معهم من أصل 30 طفلا تم دراسة حالاتهم من قبل الحركة، أي ما نسبته 10% من الحالات، بينما الغالبية (27 طفلا بنسبة 90%) اعتقلوا مباشرة من منازلهم أو من الشوارع المجاورة، كما تم اعتقال ما نسبته 50% من الأطفال من منازلهم في الفترة ما بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحا.
وقالت إن هذه الإحصائيات تشير إلى أن هناك مخالفة لقانون الأحداث الإسرائيلي الذي ينص على استدعاء الأطفال قبل موعد استجوابهم، والقصد من وراء هذا القانون هو حماية الطفل من التأثيرات النفسية، والمحافظة على نموه بشكل سليم.
وأوضحت الحركة العالمية أن إشعار الطفل المسبق يمكنه من تهيئة نفسه ويعطي الوقت لولي أمره لاتخاذ الترتيبات اللازمة لمرافقة ابنه خلال التحقيق، بالإضافة إلى ذلك، ينص القانون على أنه لا يجب اعتقال الطفل إذا كان من الممكن تحقيق الهدف من الاعتقال من خلال وسائل أقل ضررا وبذلك يكون الاعتقال الملاذ الأخير.
وكاستثناء لهذه القاعدة، يسمح قانون الإجراءات الجنائية الإسرائيلي بالقبض على المشتبه به عندما يكون من المستحيل استدعائه في وقت لاحق، أو عند ضرورة التحقيق معه على الفور.
ومع ذلك، كشف تحليل الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن ضباط الشرطة الإسرائيلية اعتقلوا واستجوبوا الأطفال الفلسطينيين عن أحداث وقعت قبل أسابيع من الاعتقال دون تحديد تاريخ وقوعها.
وكمثال على ذلك، اعتقال الطفل طارق محمد (13 عاما) من العيسوية في العاشر من حزيران الماضي، في حوالي الساعة الثانية والنصف صباحا، من قبل الشرطة الإسرائيلية، بينما كان نائما في منزله، حيث رفضت الشرطة طلب والد الطفل تسليمها إياه عند الساعة الثامنة صباحا من اليوم ذاته.
بقي الطفل طارق عند الشرطة حتى الثامنة صباحا، ومن ثم أخذ إلى غرفة التحقيق حيث اتهمه المحقق بإلقاء الحجارة والمفرقعات على سيارة للشرطة في 15 أيار 2015.
وقال طارق: “قلت للمحقق لا أتذكر ما كنت أفعله في ذلك التاريخ، فقد مر بعض الوقت، وربما كنت في المدرسة أو أدرس للامتحانات”، وأضاف: “ثم أبلغني المحقق أن 15 أيار كان يوم جمعة (يوم عطلة) فأجبته بأنني كنت مع والدي في المسجد الأقصى.”
ومن الضمانات الأخرى المنصوص عليها في قانون الأحداث الإسرائيلي، الحق في مرافقة الطفل من قبل أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة الآخرين خلال التحقيق، ويمكن منع حضور الوالدين أثناء التحقيق في ظروف معينة مثل طلب الطفل عدم وجود أحد معه، أو عندما يذكر بالتحقيق تفاصيل عن قاصر آخر.
والقرار بعدم وجود أحد الوالدين، سواء بناء على طلب الطفل أو ضابط مخول، يجب أن يكون مبررا في تقرير مكتوب، ولكن من الحالات الثلاثين التي تم تحليلها، وُجد أنه في ثلاث حالات فقط كان أحد الوالدين موجودا أثناء التحقيق، في حين استجوبت الشرطة الإسرائيلية 27 طفلا في غياب أحد الوالدين (90%) دون تقديم أي مبرر لغيابهم.
وقالت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، إنه تبين من خلال بحثها أن وجود أحد الوالدين أثناء الاستجواب قد يحمي الأطفال من أشكال أخرى من التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات، ففي ثماني حالات تم فيها منع وجود أحد الوالدين لم يُبلغ الأطفال بحقهم في التزام الصمت، في حين تعرض 16 طفلا للعنف الجسدي.
وكمثال على ذلك، اعتقلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي الطفل رامي النتشة (14 عاما) في الحادي عشر من أيار الماضي من منزله في حي الثوري، في حوالي الساعة الخامسة فجرا، فتوجه والده إلى مركز تحقيق وتوقيف “المسكوبية” لمرافقة ابنه، لكن الشرطة أبلغته أن المحقق قرر التحقيق مع رامي دون وجود أحد من والديه.
حققت الشرطة الإسرائيلية مع الطفل رامي لمدة خمس ساعات، وخلال التحقيق أرغمه المحقق على تنفيذ تمرينات بدنية قاسية ومؤلمة من خلال التهديد والصراخ في وجهه.
وقال رامي: “نتيجة لذلك، ولأنه لم يعد باستطاعتي تحمل الضغط، ولأنني كنت متعبا للغاية وخائفا من المحقق الذي أهانني وبقي يصرخ في وجهي كل الوقت، انفجرت بالبكاء في نهاية المطاف وقلت له أرغب بالاعتراف عن أي شيء تريده”.
ومن الحماية المنصوص عليها في قانون الأحداث، حظر تكبيل الطفل عند اعتقاله إذا كان بالإمكان تحقيق الهدف من خلال اتخاذ تدابير أخرى، وفي حال تعذر ذلك فإن الشرطة الإسرائيلية ملزمة بتكبيل الطفل لأقصر فترة ممكنة، ولكن الأدلة التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تشير إلى أن الشرطة الإسرائيلية تكبل الأطفال الفلسطينيين في الكثير من الأحيان أثناء النقل والاستجواب، حيث تبين من الحالات الثلاثين التي تم دراستها أن 27 طفلا تم تكبيلهم خلال اعتقالهم (90%) و14 طفلا تم تكبيلهم خلال الاستجواب (47%).
وبعد سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان خلال عمليات الاعتقال والاستجواب، وقع ما نسبته 86% من الأطفال الذين تم دراسة حالاتهم على وثائق باللغة العبرية، وهي لغة لا يفهمونها ولم تفسر الشرطة الإسرائيلية مضمون تلك الوثائق لهم.
إن الحالات التي تم تحليلها من قبل الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تظهر أن ممارسات الشرطة الإسرائيلية في تطبيق قانون الأحداث على الأطفال الفلسطينيين في القدس مبنية على تفسيرات قانونية واسعة، إضافة إلى التعسف في استغلال الاستثناءات المنصوص عليها في بعض المواد ضدهم، حيث يقع الأطفال الفلسطينيون ضحية للتمييز العنصري القائم على هويتهم رغم الضمانات والحماية المنصوص عليها في القانون.
وقال المحامي مسك إن “الأطفال الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية هم دائما ضحية للمعاملة الإسرائيلية السيئة أثناء عمليات الاعتقال والاستجواب”.