الطفل أبو عدوان…ترك يواجه الموت ثلاث ساعات

رام الله 4 آذار 2014 – “قلت لنفسي خلص سأموت، سأستشهد نتيجة الإصابة، كنت أضع يدي على عيناي وأغمضهما بانتظار أن يأتي الموت ويأخذني، ومن ثم أعاود فتحهما لأرى إن مت أم لا، فأشاهد السماء، فأعرف أنني ما زلت حيا”.

بهذه الكلمات وصف الطفل فضل أبو عدوان (11 عاما) للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فرع فلسطين، ما كان يشعر به يوم أصيب برصاص الاحتلال الإسرائيلي، في الحادي والعشرين من شباط الماضي، قرب السياج الحدودي في قطاع غزة.

ويعاني أبو عدوان من حالة نفسية سيئة، وجروح بالغة، جراء إصابته بعيارين ناريين أطلقا عليه من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، أثناء توجهه لمساعدة شقيقه في جلب الأغنام من المراعي، ما أفقده القدرة على الزواج والإنجاب.

ومن على سرير الشفاء في مستشفى غزة الأوروبي، روى الطفل أبو عدوان، للحركة، ما حدث معه يوم إصابته، قائلا: “أنا معتاد على التوجه يوميا بعد عودتي من المدرسة إلى المراعي القريبة من الحدود، حيث يقوم شقيقي برعي الأغنام، وذلك حتى أساعده بإرجاعها للمنزل خوفا من ضياعها”.

ويضيف: “عصر ذلك اليوم خرجت كعادتي إلى مكان تواجد شقيقي، وفي الطريق أوقفني ثلاثة شبان يرتدون الزي الأخضر الجيشي، ويحملون أسلحة، وكنا قريبين من السياج الحدودي، وسألوني إلى أين أتوجه، فأخبرتهم”.

ويتابع: “في هذه المرحلة رأيت جيبين عسكريين إسرائيليين يأتيان من داخل الحدود وكانا يسيران بسرعة رهيبة باتجاه السياج، وحينها ركضت حوالي 100 متر بأقصى سرعة لأنني شعرت بخوف شديد، خاصة أن الشبان الثلاثة الذين لاقوني يحملون أسلحة، فخفت أن يحدث إطلاق نار”.

“وخلال ركضي شعرت بشيء مثل النار يضرب فخذي، فأدرت وجهي حتى أنظر جهة الحدود وفي هذه الأثناء شعرت مرة أخرى بشيء يضرب في خصيتاي، ومن ثم يضرب في فخذي الأيسر أيضا”، أضاف الطفل.

وقال: “لقد أصبت من قبل جندي إسرائيلي نزل من الجيب مباشرة وقام بقنصي، لقد كان يضع سلاحه بالقرب من وجهه ويصوبه تجاهي، فوقعت أرضا على مسافة 150 مترا تقريبا من السياج في منطقة مكشوفة، وقد شاهدت الشبان الثلاثة وهم يركضون هربا، ولم يساعدونني لأن إطلاق النار صوبهم لم يتوقف”.

ويتابع الطفل أبو عدوان: “استلقيت على الأرض على ظهري، وكنت أشعر بأن قدمي شلت، رفعت رأسي قليلا حتى أرى مكان الإصابة، فشاهدت دماء كثيرة في منطقة الحوض والفخذين، فارتعبت كثيرا، استجمعت قواي مرة أخرى ونظرت إلى منطقة الحوض والخصيتين، وعندها انهرت ولم أستطع تحمل ما رأيته، لقد أصيبت خصيتاي بشكل مباشر وتهشمتا”.

ويقول: “قلت لنفسي خلص سأموت، سأستشهد من الإصابة، وصرت أفكر بكيفية الموت، كنت أضع يدي على عيناي وأغمضهما بانتظار أن يأتي الموت ويأخذني، ومن ثم أعاود فتحهما لأرى إن مت أم لا، فأشاهد السماء فأعرف أنني ما زلت حيا…وكررت ذلك عدة مرات”.

ويضيف: “مكثت حوالي ساعة وأنا على هذه الحال، وكنت ثابتا في مكاني وكلما حاولت أن أتحرك شعرت بألم شديد جدا، وبدأت الشمس بالغروب..، وفي هذه الأثناء سمعت صوت جندي إسرائيلي من داخل السياج ينادي علي عبر مكبر للصوت ويقول تعال أسعفك، فرفعت رأسي ونظرت باتجاه الصوت فرأيت الجيبات ما زالت متوقفة مكانها، وكانت هناك دبابة أيضا، فصرخت بأنني لا أستطيع الحراك”.

“رأيت أحد الجنود يقترب من السياج وبدا لي كأنه يريد قصه للدخول إلي، ولكن جندي آخر تحدث معه، فترك الأول السياج ورجع إلى الجيب”، قال أبو عدوان.

مرت دقائق كثيرة على الطفل وهو ملقى على الأرض وينزف، ويقول: “عدت مرة أخرى لانتظار الموت، وفي هذه الأثناء سمعت صوت نباح كلاب، رفعت رأسي ونظرت فشاهدت ثمانية كلاب تشم الأرض على بعد ثلاثة أمتار تقريبا مني، فقلت ستأكلني الآن ولن أستطيع الدفاع عن نفسي، وحينها سمعت إطلاق نار، فهربت الكلاب من جانبي وابتعدت، وأعتقد أن الجنود هم من أطلق النار حتى لا تقترب الكلاب مني، لكنهم لم يحضروا لإسعافي”.

وقال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش “إن إطلاق النار على طفل وتركه ينزف لساعات دون أن يلقى العناية الطبية اللازمة، مثال مروع على انتهاكات الاحتلال بحق الأطفال، ويجب تقديم الجناة إلى العدالة”.

بعد حوالي ثلاث ساعات أنقذ الطفل أبو عدوان عن طريق شقيقه، وبعض أبناء عمومته الذين حضروا للمكان للبحث عنه، وجرى نقله للمستشفى، ووفق التقرير الطبي، فقد خضع لعملية جراحية لإزالة بقية الخصيتين.
وقال طبيبه المعالج: “يعاني فضل من حالة نفسية سيئة جدا بسبب استئصال الخصيتين، فهذا الأمر سيؤثر بالتأكيد على قدرته على الزواج وإنجاب الأطفال في المستقبل”.

الطفل فضل هو الآن واحد من العديد من الأطفال الذين أصيبوا بجروح على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من السياج الحدودي في غزة.، فحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تم توثيق إصابة ستة أطفال، على الأقل، واستشهاد واحد في تلك المنطقة منذ بداية عام 2014.

وقال الطفل أبو عدوان: “جنود الاحتلال أطلقوا النار علي بدون سبب، وبسببهم فقدت كل شيء، يمكن أن يكونوا أنقذوا حياتي عندما أبعدوا الكلاب عني، لكنهم تركوني أواجه الموت حوالي ثلاث ساعات، لن أنسى أبدا ما فعلوه بي”.

قد يعجبك أيضاً

جنود الاحتلال استخدموا ثلاثة أطفال دروعا بشرية في مخيم طولكرم

“الخامس من نيسان”… ليكن يوم الطفل الفلسطيني يوما عالميا للتضامن مع أطفال فلسطين

رصاص الاحتلال يُصيب الطفلين سويدان وشراب بالشلل

أطفال يجلسون داخل مركبة محملة بأشياء مؤمنة بحبل بينما يفر الناس من رفح في جنوب قطاع غزة في 13 شباط/ فبراير 2024 تصوير محمد عابد/ وكالة فرانس برس

الاحتلال ما زال يعتبر الأطفال هدفا رئيسا في حربه على الشعب الفلسطيني